recent
أخبار ساخنة

هل كان النبي عليه السلام يحفظ القرآن ؟ ولماذا نحفظ القرآن؟

 


لماذا نحفظ القرآن؟

لماذا نحفظ القرآن؟  هذا سؤال لا يطرحه مسلم جاد إلا من باب الرغبة في التعرف على فضائل هذا العمل    ليزداد رغبة وحماسة؛ ذلك أن قضية فضيلة حفظ القرآن مقررة لدى كل مسلم بداهة، بغض النظر ثقفته ووعيه، وعن مدى تدينه واستقامته. 

وهذه  محاولة لذكر بعض الفضائل والمزايا لحفظ القرآن الكريم، سواء ما دلت عليها النصوص الشرعية  من الكتاب والسنة صراحة ، أو كان ذلك مما يفهم من عموم النصوص وقواعد الشرع.

1 - حفظ القرآن هو الأصل 

لقد وصف الله تبارك وتعالى هذا القرآن بقوله ((بل هو آيات بينات في صدور الذين أوتوا العلم)) (العنكبوت49) وقال تبارك وتعالى لنبيه صلى الله عليه وسلم -كما في الحديث القدسي-«إنما بعثتك لأبتليك وأبتلي بك، وأنزلت عليك كتاباً لا يغسله الماء، تقرأه نائماً ويقظان»(رواه مسلم).

قال الامام  النووي رحمه الله «فمعناه محفوظ في الصدور لا يتطرق إليه الذهاب بل يبقى على مر الزمان».

ومن لطائف الاستدلال في ذلك ما استدل به أبو الفضل الرازي فقال « ومنها أن الله عز وجل لم ينزله جملة كغيره من الكتب، بل نجوماً متفرقة مرتلة ما بين الآية والآيتين والآيات والسورة والقصة، في مدة زادت على عشرين سنة، إلا ليتلقوه حفظاً، ويستوي في تلقفه في هذه الصورة  البليد والذكي، والفارغ والمشغول، والأمي وغير الأمي، فيكون لمن بعدهم فيهم أسوة في نقل كتاب الله حفظاً ولفظاً قرناً بعد قرن وخلفاً بعد سلف».

2 - القرآن مصدر التلقي عند الأمة

القرآن الكريم  هو دستور الأمة ومنهاجها ، فإليه الحكم و التحاكم، ومنه الاستمداد والتشريع، وما من صغيرة أو كبيرة إلا ونبأها في هذا الكتاب العزيز ((وما كان ربك نسياً))(مريم64)، وهو مع ذلك الضياء الذي تحمله الأمة لسائر الناس لتؤدي رسالتها، خير أمة أخرجت للناس، شهيدة عليهم في الدنيا والآخرة، فلا يصير المرء مسلماً إلا بالإيقان أنه من عند الله، والخضوع والاستسلام له، فإذا كان هذا شأن القرآن في حياة الأمة، فما بالك بشأن من يحفظه ويعنى به؟

3 - حفظ القرآن فرض كفاية على الأمة

صرح بعض أهل العلم أن حفظ القرآن الكريم واجب على الأمة فإن قام بذلك قوم وإلا سقط الإثم عن الباقين.

قال بدر الدين الزركشي «قال أصحابنا تعلم القرآن فرض كفاية، وكذلك حفظه واجب على الأمة، صرح به الجرجاني في الشافي والعبادي وغيرهما».



4 - التأسي بالنبي صلى الله عليه وسلم

هل كان النبي عليه السلام يحفظ القرآن ؟

لقد جعل الله تبارك وتعالى للأمة في محمد صلى الله عليه وسلم أسوة حسنة ((لقد كان لكم في رسول الله أسوة حسنة لمن كان يرجو الله واليوم الآخر وذكر الله كثيراً))(الأحزاب21).

ويتعبد المسلم لربه تبارك وتعالى في البحث والتعرف على سنة النبي صلى الله عليه وسلم وعلى ما كان يفعل في أموره وأحواله، ومن ثم التأسي بها واتباعها.

وحفظ كتاب الله تبارك وتعالى فيه من التأسي به صلى الله عليه وسلم ؛ إذ كان صلى الله عليه وسلم يحفظه ويديم تلاوته ومعارضة جبريل به، وقد نبه على هذا المعنى أبو الفضل الرازي المقريء 

فقال «فمنها ما لزم الأمة من الاقتداء برسول الله صلى الله عليه وسلم في جلي أمر الشرع وخفيه، قولاً وفعلاً، على الوجوب أو الندب إلى أن يقوم دليل على أنه كان -عليه السلام- مخصوصاً به من قوله أو فعله، فلما وجدنا أن النبي صلى الله عليه وسلم كان حافظاً بجميع ما نزل عليه من القرآن، ومأموراً بقراءته، حتى أنه -عليه السلام- من شدة تمسكه بحفظه كان يعرض على جبريل -عليهما السلام- في كل سنة مرة واحدة، وفي السنة التي قبض فيها عرض عليه -عليهما السلام- مرتين، وكان يعرض على أصحابه ويعرضون عليه، ويعجل به ليستكثر منه، لئلا ينسى ولحرصه عليه، فنهي عنه بقوله تعالى ((ولا تعجل بالقرآن من قبل أن يقضى إليك وحيه)) (طه114) وبقوله عز وجل ((لا تحرك به لسانك لتعجل به)) (القيامة16) وأمر بالترتيل، وأمن مما كان يصده عن ذلك وهو خشية النسيان و التفلت منه بقوله تعالى ((سنقرئك فلا تنسى))(الأعلى6) علمنا أن الأمة لزم حفظه مع الإمكان و

ثم قال بعد أن ذكر وجوهاً أخرى «غير أني أتقدم عليه بسند ما تقدم من قراءة النبي صلى الله عليه وسلم وعرضه على غيره، وعرض الصحابة رضي الله عنهم بعضهم على بعض، ففي جميع ذلك مستدل أنه من الله سبحانه وتعالى دعا به إلى حفظه، وعطف على العمل بما فيه، وأن لا يسع أحد أن يتخلف عن حفظه أو تحفظه، وتلاوته على الدوام إلا عن عذر ظاهر».



مجالس حفظ القرآن

لئن كان الناس يفتخرون بمجالس تصلهم بقوم ذوي شأن لدى الناس، أو تحقق لهم مطالب يسعون إليها، فأولئك الذين يجلسون في مجالس حفظ كتاب الله تبارك وتعالى أولى بذلك وأسعد، ذلك أنهم كما أخبر صلى الله عليه وسلم «...وما اجتمع قوم في بيت من بيوت الله يتلون كتاب الله و يتدارسونه بينهم إلا نزلت عليهم السكينة، وغشيتهم الرحمة، وحفتهم الملائكة، وذكرهم الله فيمن عنده، ومن بطأ به عمله لم يسرع به نسبه »(رواه مسلم).

فهي فضائل أربع يدركها هؤلاء-

1 - نزول السكينة من الله تبارك وتعالى.

2 - غشيان الرحمة، ورحمة الله قريب من المحسنين ومن عباده الصالحين، وما أفقر العبد لرحمة الله، أليس في دعائه كثيراً ما يقول يا أرحم الراحمين؟ فهاهو باب الرحمة مفتوح فبادر بولوجه علَّ الله أن يرحمك.

3 - أن تحفهم الملائكة وهم عباد الله المكرمون لا يعصون الله ما أمرهم ويفعلون ما يؤمرون.

4 - أن يذكرهم الله فيمن عنده، فأين هذا مما يسعى إليه بعض الناس أن يذكره أحد الأكابر أو يثني عليه، فأي فضيلة للعبد أسمى وأعلى من أن يذكره الله تبارك وتعالى فيمن عنده. 

وثمة فضائل ومناقب أخرى لهذه المجالس جاءت في سائر النصوص-

5 - فمنها أن هذه المجالس غالباً ما تكون في بيوت الله تبارك وتعالى، وقد أثنى الله على من يعمرها بالعبادة ((في بيوت أذن الله أن ترفع ويذكر فيها اسمه يسبح له فيها بالغدو والآصال رجال لا تهليهم تجارة ولا بيع عن ذكر الله وإقام الصلاة وإيتاء الزكاة يخافون يوماً تتقلب فيه القلوب والأبصار. ليجزيهم الله أحسن ما عملوا ويزيدهم من فضله والله يرزق من يشاء بغير حساب))(النور36-38).

وأخبر صلى الله عليه وسلم عن شأن المساجد فقال« أحب البلاد إلى الله مساجدها، وأبغض البلاد إلى الله أسواقها»(رواه مسلم).

6 - كثيراً ما يجلس القارئ في هذه المجالس بعد أداء الفريضة، وقد أثنى النبي صلى الله عليه وسلم على ذلك وحث عليه، وأخبر أن صاحبه تصلي عليه الملائكة «فإذا صلى لم تزل الملائكة تصلي عليه، اللهم صل عليه، اللهم ارحمه»(رواه البخاري).

7 - وهي مجالس روادها من أهل القرآن الذين هم أهل الله وخاصته، الذين رفع الله شأنهم، وأعلى ذكرهم في الدنيا والآخرة 

8 - ورد فضل الاجتماع على الذكر والعلم، ومن ذلك الحديث الطويل في شأن الملائكة الذين يتتبعون مجالس الذكر.

عن أبي هريرة -رضي الله عنه- قال قال رسول الله صلى الله عليه وسلم« إن لله ملائكة يطوفون في الطرق يلتمسون أهل الذكر، فإذا وجدوا قوما يذكرون الله تنادواهلموا إلى حاجتكم، قال فيحفونهم بأجنحتهم إلى السماء الدنيا، قال فيسألهم ربهم وهو أعلم منهم ما يقول عبادي؟ قالوا يقولون يسبحونك ويكبرونك ويحمدونك ويمجدونك، قال فيقول هل رأوني؟ قال فيقولون لا، والله ما رأوك، قال فيقول وكيف لو رأوني؟ قال يقولون لو رأوك كانوا أشد لك عبادة، وأشد لك تمجيداً وتحميداً، وأكثر لك تسبيحاً، قال يقول فما يسألوني؟ قال يسألونك الجنة، قال يقول وهل رأوها؟ قال يقولون لا والله يا رب ما رأوها، قال يقولفكيف لو أنهم رأوها، قال يقولون لو أنهم رأوها كانوا أشد عليها حرصاً، وأشد لها طلباً، وأعظم فيها رغبة، قال فمم يتعوذون؟ قال يقولون من النار، قال يقولوهل رأوها؟ قال يقولون لا والله يا رب ما رأوها، قال يقول فكيف لو رأوها؟ قال يقولون لو رأوها كانوا أشد منها فراراً وأشد لها مخافة، قال فيقولفأشهدكم أني قد غفرت لهم، قال يقول ملك من الملائكة فيهم فلان ليس منهم إنما جاء لحاجة قال هم ا

ولاشك أن أفضل الذكر والعلم تلاوة كتاب الله وحفظه والوقوف عند حدوده ومعانيه.

وتأمل كيف غفر الله لهذا الذي لم يكن منهم، إنما جاء لحاجة فجلس، لتجد فيه إجابة على سؤال كثير ممن يشتكي من ضعف النية، أو التقصير، أو أنه يفعل بعض الذنوب في الخلوات، فيدعوه ذلك للتفكير في مفارقة الجلساء الصالحين الأخيار.

إلى المحاضن التربوية

وبعد هذا السرد لهذه الفوائد التي تتأتى لحافظ القرآن الكريم والمشتغل به نتساءل أين الشباب عن العناية بهذا القرآن، وأين جيل الصحوة عن حفظه وتدارسه؟

وما حجم حفظ القرآن ضمن برامجنا التربوية؟ أليس أولى من كثير مما ينشغل به الشباب اليوم؟ ولماذا لا يصبح حفظ القرآن والعناية بتعلمه أساس برامجنا و منطلقها، أما حين يكون جزءاً منها فأحسب أننا لم نقدره حق قدره.

ومع عتبنا على إخواننا الذين يقصرون في هذا الأمر ولا يولونه حق رعايته فإننا نشد بأيدي أولئك الذين جعلوا مبدأ التربية والتوجيه حفظ القرآن الكريم، ونرى أنها بداية بإذن الله تؤذن بالسير على منهج سلف الأمة، إذ كان هذا شأنهم وديدنهم.

وعلى المدى الأوسع حين ننقل الطرف إلى مقاعد الدراسة فإننا نشارك الأديب مصطفى صادق الرافعي شكواه وهمه إذ يقول «نحن نأسف أشد الأسف وأبلغه بل أحراه أن يكون هماً يعتلج في الصدر ويستوقد في الضلوع إذ نرى نشء هذه الأيام قد انصرفوا عن جمع القرآن واستيعابه وأحكامه قراءةً وتجويداً، فلا يحفظون منه إن حفظوا إلا أجزاء قليلة على أنهم ينسونها بعد ذلك، ثم يشب أحدهم كما يشب قرن الماعز نبت على سواء، ولا يثبت على التواء، ويخرج وقد عق لغته وأنكر قومه، وانسلخ من جلدته واستهان بدينه وخرج من آدابه، ولا يستحي من ذلك أن يقول هاأنذا فاعرفوني».

وإنه لمما يبعث على الأسى ويحز في قلب كل مسلم غيور أن نرى فئاماً من خريجي الجامعات، بل وربما حملة الشهادات العليا في العالم الإسلامي اليوم لا يجيدون تلاوة كتاب الله، فضلاً عن حفظ شيء منه، وكم نسبة الذين يتجاوز حفظهم الجزء الأخير من القرآن الكريم في خريجي الجامعات في العالم الإسلامي اليوم؟

أليس من الجدير بالعناية أن يتنادى المربون وأصحاب الشأن في الأمة الإسلامية اليوم إلى كلمة سواء تعيد الاعتبار لكتاب الله عز وجل في برامج التعليم.

فهلا كانت هناك خطوةٌ لتقرير قدر من القرآن على الطلاب والطالبات، وهل كل ما يدرسه أولئك أهم وأحوج من القرآن الكريم؟

ولقد أثبتت الدراسات العلمية المعاصرة أن حفظ القرآن في المراحل الأولية من التعليم له أثره على ملكات ومهارات مهمة يحتاج إليها التلميذ.

ففي دراسة أجراها الدكتور سعد المغامسي أظهرت نتائج الدراسة أن تلاوة القرآن الكريم وحفظه ودراسته أسهمت في تنمية مهارات القراءة والكتابة لدى تلاميذ الصف السادس الابتدائي مما مكن التلاميذ في مدارس تحفيظ القرآن الكريم من الحصول على درجات أعلى من متوسط أقرانهم في مدارس التعليم العام، حيث أظهرت الدراسة أنه توجد فروق ذات دلالة إحصائية بين متوسط درجات تلاميذ الصف السادس من مدارس تحفيظ القرآن، ومتوسط درجات تلاميذ مدارس التعليم العام لصالح تلاميذ مدارس تحفيظ القرآن، وذلك من خلال اختبارات القراءة والكتابة التي أعدها الباحث، وكذلك من واقع درجات التلاميذ في سجلات المدارس التي اعتمد عليها في نجاحهم من الصف الخامس إلى الصف السادس».

وفي دراسة أخرى أجرتها د. هاتم ياركندي أظهرت نتائج الدراسة« وجود فروق دالة إحصائياً بين مجموعة طالبات تحفيظ القرآن الكريم، وطالبات الصف الرابع في المدارس العادية في مهارتي القراءة والإملاء لصالح طالبات تحفيظ القرآن الكريم».

والمربون اليوم إذ يدعون إلى إعادة الاعتبار لمادة القرآن الكريم فليس ذلك لأنه يزيد من مهارات معينة للتلاميذ، بل لأنه دستور الأمة وأولى ما تعنى بتعلمه وتعليمه.

 

author-img
ذواتا أفنان لحفظ القرآن

تعليقات

ليست هناك تعليقات
إرسال تعليق
    google-playkhamsatmostaqltradent